الاضطرابات المرتبطة بالصدمات

اسم الكاتب

الفريق الطبي

مدة القراءة

5 د

Image

منذ قديم الزمان، كان من المعروف أن الأحداث المؤلمة مثل الكوارث أو الحروب تغير سلوك الإنسان وتؤثر على تصرفاته. ومع مرور الزمن، ما زالت ردود الفعل على الأحداث الصادمة متشابهة. الآن. ومع التقدم في الزمن، تم استخدام أسماء مختلفة من أجل وصف الاضطرابات المرتبطة بالصدمات مثل: القلب المنهك ومتلازمة القلب العصبي والصدمة، وكل هذه المصطلحات نتجت عن العديد من الأبحاث والدراسات المختلفة حول أسباب الأعراض الملحوظة. في عام 1980 نشرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي الطبعة الثالثة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية وكانت هذه هي المرة الأولى التي تم فيها استخدام مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة لوصف أحد الاضطرابات المرتبطة بالصدمات، حيث وجد أن تطور هذا الاضطراب كان مرتبطًا بالتعرض ضغوط خارجية. ومع ذلك، لم تكن هناك معايير تشخيصية لتحديد نوع الاضطراب. وتم تعريف الاضطرابات المرتبطة بالصدمات على أنها استجابة لضغوط جسدية أو عقلية استثنائية [1].

وفي الوقت الحالي، تم التعرف على العديد من الاضطرابات المرتبطة بالصدمات وتحديد أعراضها، ويتم التعامل معها من خلال عدة طرق، بما في ذلك جلسات العلاج النفسي وتناول الأدوية. وقد أظهرت الأبحاث التي أجريت في هذا المجال تحسناً كبيرًا في جودة حياة الأفراد الذين يعانون من الاضطرابات المرتبطة بالصدمات بفضل التشخيص المبكر والعلاج الفعال.

الأسباب

لمعرفة أسباب الاضطرابات المرتبطة بالصدمات، يمكن دائمًا تتبع الصدمات وتحديد سبب حدوثها. وفي الغالب، قد تعاني من الاضطرابات المرتبطة بالصدمات بعد التعرض لتجربة أو أكثر من التجارب المؤلمة. على سبيل المثال، عانى العديد من الرجال والنساء العائدين من الخدمة في الجيش من المرور بأحداث مؤلمة، ولدى بعض منهم، قد تؤدي هذه التجارب إلى حدوث اضطراب ما بعد الصدمة [2].

وليس كل من يعاني من الصدمات أو يمر بأحداث مؤلمة سيصاب باضطراب الصدمة. قد يعاني شخصان من صدمات مشابهة، فيصاب أحدهما باضطراب بينما لا يعاني الآخر من أي أعراض أو اضطرابات، والسبب لاختلاف ردات الفعل نتيجة الصدمات غير معروف، ولكن هناك عوامل خطر محددة قد تجعلك أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات المرتبطة بالصدمات [1]:

1.  الإصابة بمرض عقلي أو نفسي آخر

2.  التعرض لصدمة سابقة، خاصة في مرحلة الطفولة

3.  إساءة استخدام المواد أو الأدوية

4.  عدم وجود دعم اجتماعي جيد

5.  وجود تاريخ عائلي للإصابة بأمراض عقلية أو نفسية من أي نوع

6.  المعاناة من أحداث مرهقة متعددة في نفس الوقت

 

الأنواع

هناك عدة أنواع من الاضطرابات المرتبطة بالصدمات، وتشترك جميعها بالمسبب الأساسي وهو التعرض لصدمات. الصدمة هي تجربة ذاتية قد تختلف ردة الفعل تجاهها من شخص إلى آخر، لذلك قد يكون من السهل على شخص ما التعامل معها، في حين أنها قد تكون مؤلمة جدًا لشخص آخر. تشمل أمثلة الصدمات التي قد تسبب اضطرابات: الإساءة أو الإهمال أو مشاهدة العنف أو فقدان أحد الأقارب أو الأصدقاء أو حادث سيارة أو الاعتداء الجنسي. ومن أنواع اضطرابات الصدمة الأكثر شيوعًا ما يلي [2]:

 

·         اضطراب ما بعد الصدمة (بالإنجليزية: Post-Traumatic Stress Disorder)

هو اضطراب يتطور بعد التعرض لحادثة أو تجربة مؤلمة، مثل مشاهدة جريمة قتل أو اعتداء. وقد يسبب لك هذا الاضطراب عادة الكوابيس والخوف وتجنب أي شيء قد يذكرك بالصدمة التي مررت بها. يمكن أن يسبب اضطراب ما بعد الصدمة ضررًا كبيرًا في حياتك ويؤثر على ممارستك للنشاطات الروتينية وتعاملك مع الآخرين. ولا ترتبط الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بمرحلة عمرية معينة، فمن الممكن أن تصاب باضطراب ما بعد الصدمة في أي عمر [3].

·         اضطراب الإجهاد الحاد (بالإنجليزية: Acute Stress Disorder)

هو اضطراب  مشابه لاضطراب ما بعد الصدمة، ولكن، يكون رد الفعل على الصدمة والمتمثل في حدوث الاضطراب مفاجئًا وأقصر بكثير مما هو عليه في اضطراب ما بعد الصدمة. قد يستمر اضطراب الإجهاد الحاد ما بين بضعة أيام وشهر، بينما تستمر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لأكثر من شهر. وقد تتسبب أعراض اضطراب الإجهاد الحاد الشعور بالضيق أو عدم القدرة على بدء أو إكمال المهام الضرورية  أو عدم القدرة على التحدث أو إخبار الآخرين عن الحدث الصادم [4].

·         اضطرابات التكيف (بالإنجليزية: Adjustment Disorder)

يسبب اضطرابات التكيف صدور ردود أفعال مفرطة ومبالغ فيها للتجارب المجهدة أو الصعبة، مثل موت أحد أفراد العائلة. ويكون الضغط الناتج عن الاستجابة لمثل هذا الموقف أكبر مما هو متوقع ويشير إلى ضعف القدرة على التأقلم والتكيف ما بعد حدوث الصدمة. ومن الممكن أن يعاني البالغون من اضطرابات التكيف، إلا أنه يتم تشخيص هذا الاضطراب في الغالب عند الأطفال والمراهقين [5].

·         اضطراب التعلق التفاعلي (بالإنجليزية: Reactive Attachment Disorder)

نادرًا ما يحدث اضطراب التعلق التفاعلي  ولكن قد يلاحظ ظهوره عند الأطفال الذين يفشلون في تطوير علاقات جيدة مع أحد الوالدين. كما يحدث هذا الاضطراب عندما لا يتم تلبية احتياجات الطفل، حيث يعد الإهمال هو نوع من أنواع الصدمات التي قد تؤثر سلبًا على الصحة النفسية والعقلية للأطفال. قد يكون الأطفال المصابون باضطراب التعلق التفاعلي منعزلين وحزينين وخائفين وغير متفاعلين مع الآخرين.

·         اضطراب المشاركة الاجتماعية (بالإنجليزية: Disinhibited Social Engagement Disorder)

يعد اضطراب المشاركة الاجتماعية مشابهًا لاضطراب التعلق التفاعلي، حيث يؤثر على الأطفال الذين تم إهمالهم أو تعرضوا لصدمات أو أحداث أثرت على استقرارهم النفسي وصحتهم العقلية. تعد أعراض اضطراب المشاركة الاجتماعية أقل حدة من أعراض اضطراب التعلق التفاعلي . وتجعل الإصابة بهذا الاضطراب من الصعب على الطفل تطوير العلاقات أو التفاعل مع الآخرين.

وقد يقوم الطبيب النفسي بتشخيصك في حال إصابتك بالاضطرابات المرتبطة بالصدمات ما على أنك تعاني من اضطرابات أخرى غير المذكورة أو على أنك تعاني من اضطراب غير محدد، وذلك يحدث إذا كنت تعاني من بعض الأعراض فقط بعض وليس كل أعراض إحدى الحالات المحددة والمذكورة سابقًا، أو إذا لم تقم بتزويد الطبيب بمعلومات كافية لإجراء تشخيص أكثر تحديدًا ودقة.

 

الأعراض

قد تؤدي إصابتك بالاضطرابات المرتبطة بالصدمات إلى الشعور المتكرر أو المستمر بالخوف والقلق الشديد والتوتر والاكتئاب والمشاعر السلبية الأخرى. كما من الممكن أن يؤثر اضطراب الصدمة على سلوكك وقد يتسبب في شعورك بالغضب والانسحاب الاجتماعي وفقدان الاهتمام بالأنشطة والعديد من التداعيات السلبية الأخرى، مثل ترك العمل وقطع العلاقات. وتتعدد الاضطرابات المرتبطة بالصدمات  وتتنوع أعراضها ما بين خفيفة ومتوسطة وشديدة، ومع ذلك، فإن هذه الاضطرابات المرتبطة بالصدمات تسبب العديد من الأعراض والعلامات المميزة والمتشابهة، وتشمل هذه الأعراض والعلامات التي قد تلاحظها في حال اصابتك بالاضطرابات المرتبطة بالصدمات ما يلي [6] [2]:

  1. الكوابيس

  2. تجنب أي تذكير بالصدمة

  3. الاكتئاب واليأس

  4. القلق والخوف الشديد

  5. شعور بالإرهاق

  6. فقدان الاهتمام بالأنشطة والهوايات

  7. الانعزال عن الأصدقاء والعائلة والمناسبات الاجتماعية

  8. صعوبة الشعور بالسعادة

  9. صعوبة النوم

  10.  قلة الشهية

  11. نوبات الغضب أو العنف

  12.  صعوبة في التركيز أو التفكير

  13. حدوث استجابة وردات فعل مفاجئة مبالغ فيها

  14. سلوكيات اندفاعية

  15.  صعوبة التعامل مع الآخرين أو تكوين علاقات

  16. الأفكار والسلوكيات الانتحارية

إن السعي لفهم هذه الأعراض والتشخيص المبكر والعلاج الفعال يلعب دورًا حاسمًا في تحسين حياتك في حال إصابتك بالاضطرابات المرتبطة بالصدمات. ولكن تكمن صعوبة تشخيص الاضطرابات المرتبطة بالصدمات في تشابه الأعراض بين مختلف الأنواع وفي اختلاف الأعراض المصاحبة لهذه الاضطرابات من شخص إلى آخر حيث تختلف ردة الفعل تجاه الصدمة من شخص إلى آخر.

العلاج

في حال ملاحظتك لظهور الأعراض التي تدل على إصابتك بالاضطرابات المرتبطة بالصدمات، فإنك ستحتاج للحصول على تشخيص دقيق لتحديد العلاج المناسب لإدارة أعراضك نظرًا إلى أن الأعراض يمكن أن تكون شديدة ويمكن أن تعرضك لخطر إلحاق الأذى بنفسك. ولإدارة أعراض الاضطرابات المرتبطة بالصدمات يمكن أن يقوم الطبيب بوصف بمجموعة متنوعة من العلاجات، بما في ذلك جلسات العلاج السلوكي المعرفي، التي ستساعدك على تغيير الأنماط السلبية للأفكار والسلوكيات [1].

ويمكن أيضًا استخدام الأدوية كعامل مساعد في علاج الاضطرابات المرتبطة بالصدمات، ولكن لا يمكن استخدام الأدوية بمفردها. يمكن أن تساعدك مضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق على الشعور بالتحسن وتخفيف الأعراض. ويمكن أيضًا استخدام أدوية للتخفيف من الكوابيس في بعض الحالات، بالإضافة إلى استخدام المنومات ومساعدات النوم.

وتعد الأدوية الموصى بها لعلاج الاضطرابات المرتبطة بالصدمات، وخاصة اضطراب ما بعد الصدمة لدى البالغين هما باروكسيتين وسيرترالين. ويعتبر كل من باروكستين وسيرترالين أنواعًا من مضادات الاكتئاب المعروفة باسم مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs). وقبل استخدام الدواء، ينصح بسؤال الطبيب عن الأعراض الجانبية المحتملة عند تناول باروكسيتين وسيرترالين،  وتشمل الأعراض الجانبية الشائعة للباروكستين والسيرترالين الشعور بالغثيان وعدم وضوح الرؤية والإمساك والإسهال [7].

وفي العادة، لا يتم استخدام هذه الأدوية إلا في حال [7]:

1.  عدم فاعلية جلسات العلاج النفسي بسبب إمكانية حدوث صدمات مستمرة (مثل العنف المنزلي)

2.  الاستفادة القليلة أو عدم الاستفادة من جلسات العلاج النفسي.

3.  وجود حالة طبية، مثل الاكتئاب الشديد، والتي تؤثر بشكل كبير على القدرة على الاستفادة من العلاج النفسي

وفي بعض الأحيان، قد يقوم طبيبك بوصف مضادات اكتئاب أخرى، مثل فينلافاكسين، لكنها غير مرخصة لعلاج الاضطرابات المرتبطة بالصدمات. وبشكل عام، لا توصف هذه الأدوية عادة للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا إلا إذا أوصى بها الطبيب النفسي.

وفي حال كان الدواء فعالاً، فعادةً ما يستمر استخدامه لمدة 12 شهرًا على الأقل قبل أن يتم تخفيض الجرعة تدريجيًا على مدار 4 أسابيع أو أكثر من ثم إيقاف استخدام الدواء. أما إذا كان الدواء غير فعال في تقليل الأعراض، فقد يقوم طبيبك بزيادة جرعة الدواء المستخدم.

على الرغم من أن إصابتك بالاضطرابات المرتبطة بالصدمات قد تكون صعبة وتحمل تحديات كبيرة، إلا أن طرق العلاج متاحة لمساعدتك في التغلب على الأعراض وتحسين حالتك النفسية. تعتمد النتائج الإيجابية على التشخيص المبكر والرعاية النفسية المناسبة والدعم من الأهل والمحيط الاجتماعي. ولذلك، يجب عليك، إذا كنت تعاني من أعراض الصدمة المستمرة أو الشديدة، استشارة الطبيب النفسي، ومن المهم بشكل خاص زيارة الطبيب في أسرع وقت إذا كانت أعراض الصدمة تتداخل مع نشاطات الحياة اليومية أو علاقتك مع الآخرين.

شارك المقالة

مقالات مقترحة

الكلمات المفتاحية

علاج نفسي

اضطراب التعلق التفاعلي

اضطراب المشاركة الاجتماعية

اضطراب التكيف

اضطراب الإجهاد الحاد

اضطراب ما بعد الصدمة

خوف

صدمة