ما هو سلوك إيذاء الذات؟
هل تسائلت يوماً ما الذي قد يدفع بأحدهم لاحداث ضرر جسدي بأنفسهم؟ ما الذي يدفعهم للتسبب بألم متعمد كوسيلة لمواجهة الضغوط في حياتهم؟
سلوك إيذاء الذات هو إحداث الضرر بالجسد عمدًا، دون نية الانتحار، كوسيلة للتعامل مع ضغوط عاطفية أو نفسية طاغية.
قد يراه البعض محاولة للتنفيس أو لاستعادة الشعور بالتحكم، لكنه في الحقيقة مؤشر على وجود معاناة داخلية تحتاج إلى فهم ودعم وعلاج، لا إلى إخفاء أو تجاهل.
ما هي أشكال إيذاء الذات؟
تختلف طرق إيذاء الذات من شخص لآخر، لكنها غالبًا تتخذ أشكالًا متكررة، منها:
-
القطع أو الخدش باستخدام أدوات حادة
يُعد من أكثر أشكال إيذاء الذات شيوعًا، حيث يستخدم الشخص شفرات أو سكاكين أو أدوات معدنية لجرح الجلد عمدًا. -
الحرق
إحداث حروق متعمدة باستخدام النار، أو أدوات ساخنة، أو حتى مواد كيميائية تسبب تلفًا في الجلد. -
الضرب أو الارتطام بالأجسام الصلبة
كأن يقوم الشخص بضرب رأسه أو أطرافه بالحائط أو الأرض، أو ركل الأشياء الصلبة حتى الإصابة. -
إحداث جروح من خلال الفرك المفرط
فرك أو خدش مناطق معينة من الجلد بشدة حتى النزف أو تهيج البشرة. -
إعاقة التئام الجروح عمدًا
كإزالة القشور أو العبث بالإصابات لمنع شفائها الطبيعي.
و بالرغم من كون هذا السلوك أكثر شيوعاً بين المراهقين و البالغين، قد يُظهر بعض الأطفال سلوكيات مضرة للذات مثل :
-
الخدش المتكرر أو عض نفسه حتى ترك علامات.
-
شد الشعر بعنف حتى اقتلاعه.
-
الارتطام بالرأس أو الجسم على الجدران أو الأرض أثناء نوبات الغضب أو الانفعال الشديد.
-
العبث بالجروح ومنعها من الالتئام.
في بعض الحالات، يكون الطفل مدركًا لما يفعل لكنه غير قادر على التعبير عن مشاعره بالكلمات، فيستخدم جسده كوسيلة للتنفيس أو طلب الانتباه. وفي حالات أخرى، قد يرتبط السلوك باضطرابات نمائية أو عصبية، مثل اضطراب طيف التوحّد أو اضطرابات فرط الحركة وتشتت الانتباه، أو بمشكلات في البيئة المحيطة مثل الإهمال أو العنف الأسري.
كيف تلاحظ علامات ايذاء الذات؟
يحاول من يعاني من إيذاء الذات إخفاء آثار السلوك، مثل ارتداء أكمام طويلة في الطقس الحار أو اختلاق أعذار للإصابات. لكن العلامات قد تشمل:
-
ندوب أو قشور متكررة بأشكال معينة.
-
حروق متعددة ذات حجم أو نظام محدد.
-
إصابات متكررة مثل خدوش أو كدمات أو تورم.
-
ضعف في السيطرة على الدوافع، كالشعور بعدم القدرة على التوقف عن خدش منطقة محددة
لماذا يحدث هذا السلوك؟
يقوم بعض الأشخاص بإحداث ألم جسدي عمدًا كوسيلة لتحويل الانتباه من الألم النفسي الداخلي إلى إحساس جسدي ملموس، وهو ما يمنحهم إحساسًا مؤقتًا بالتحكم أو الارتياح.
الألم الجسدي الناتج عن الإيذاء يحفّز إفراز مواد كيميائية طبيعية في الدماغ مثل البيتا-إندورفين، التي ترتبط بمشاعر الراحة وتخفيف التوتر، ما يخلق دائرة مغلقة تدفع الشخص لتكرار السلوك كلما شعر بالضغط أو الانزعاج.
سلوك إيذاء الذات ليس اضطرابًا مستقلًا في معظم الحالات، بل يظهر كعرض أو سلوك مصاحب لاضطرابات أخرى، منها:
-
الاكتئاب: نتيجة الإحباط الشديد وفقدان القدرة على التكيف.
-
اضطراب القلق العام واضطراب الهلع: للتخفيف من التوتر المفرط أو نوبات القلق.
-
اضطراب ثنائي القطب: خاصة في المراحل الاكتئابية أو المختلطة.
-
اضطراب الشخصية الحدية: حيث يُستخدم السلوك للتعامل مع مشاعر الهجر أو الفراغ.
-
الوسواس القهري، خاصة عندما يرتبط السلوك بأفكار متطفلة.
-
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، خصوصًا عند وجود ذكريات صادمة متكررة.
و تزيد فرصة حدوث الاضطراب عند :
-
التعرض لصدمات أو إساءة في الطفولة، سواء كانت جسدية أو نفسية أو جنسية.
-
اليافعين: غالبًا ما يبدأ السلوك في مرحلة المراهقة المبكرة (12-14 عامًا) وقد يستمر لسنوات.
-
التعرض للعنصرية و التنمر، حيث قد يواجه الفرد مستويات أعلى من التمييز أو الرفض.
كيف يتم تشخيص سلوك إيذاء الذات؟
قد تتم ملاحظة السلوك من قبل المختصين الصحيين مثل الأطباء النفسيين أو الأخصائيين الاجتماعيين، أو من قبل المعلمين في المدرسة، أو حتى أفراد الأسرة والأصدقاء الذين يلاحظون إصابات متكررة أو تغيرات سلوكية لافتة.
عند الاشتباه، يبدأ التشخيص بجمع تاريخ الحالة الطبي والنفسي والاجتماعي، ومراجعة الأحداث أو الضغوط المرتبطة بظهور السلوك. يقوم المختص بفحص الإصابات الجسدية، وتقييم الصحة النفسية للكشف عن أي اضطرابات مصاحبة. الهدف من هذه العملية هو تحديد السبب الجذري للسلوك ووضع خطة علاج مناسبة، وليس إصدار حكم أو لوم الشخص.
كيف يُعالج سلوك إيذاء الذات؟
يهدف العلاج إلى معالجة الإصابات الجسدية، وفهم الأسباب النفسية العميقة، وتزويد الشخص بوسائل بديلة للتعامل مع الضغوط. غالبًا ما يكون العلاج متعدد الجوانب ويشمل:
العلاج النفسي
-
العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد الشخص على التعرف على الأفكار السلبية المرتبطة بالسلوك واستبدالها بأنماط تفكير وسلوكيات صحية.
-
علاج الحوار الجدلي (DBT): فعال بشكل خاص مع اضطراب الشخصية الحدية، ويركز على مهارات تنظيم الانفعال وتحمل الضغوط دون إيذاء الذات.
-
المقابلات التحفيزية: تهدف إلى زيادة رغبة الشخص في التغيير من خلال الحوار الداعم وغير الحُكمي.
العلاج الدوائي
-
مضادات الاكتئاب: لعلاج الاكتئاب واضطرابات القلق المصاحبة.
-
مضادات الذهان: في حال وجود اضطرابات ذهانية أو أفكار مشوهة عن الذات.
-
تنظيم أدوية الأمراض المزمنة: خصوصًا إذا كان إهمال العلاج جزءًا من السلوك المؤذي للذات.
الدعم العملي والاجتماعي
-
متابعة من أخصائي اجتماعي أو ممرض مجتمعي لمراقبة الحالة.
-
برامج دعم جماعي توفر بيئة آمنة للتعبير والتعلم من تجارب الآخرين.
-
تعليم مهارات التأقلم الصحية مثل تمارين الاسترخاء أو النشاطات الإبداعية.
في حال وجود إصابات شديدة أو خطر انتحار، يتطلب الأمر علاجًا طبيًا عاجلًا في المستشفى، إلى جانب التدخل النفسي الفوري.