بدأ استخدام مضادات الذهان كأدوية لعلاج أعراض الذهان في عام 1933 في فرنسا. وأدت البحوث المستمرة التي تهدف إلى تطوير مضادات الهيستامين إلى التوصل لدواء البروميثازين، الذي أظهر عند استخدامه حدوث أعراض جانبية مهدئة، لذلك بدأ الأطباء في وصفه كمهدئ قبل العمليات الجراحية وبعدها. وبعد ذلك، قام الباحثون بدراسة مشتقات البروميثازين وتعديلها، ونتج عن ذلك تطوير الكلوربرومازين. استخدم الكلوربرومازين كحبوب مضادة للقلق قبل الجراحة، وبعدها لاحظ الأطباء النفسيون التأثير المهدئ للدواء وبدأوا بوصفه للمرضى [2].
قبل اكتشاف تأثير الكلوربرومازين المهدئ، كانت خيارات علاج مرضى الذهان هي العلاج بالصدمات الكهربائية والمعالجة المائية ووضع المرضى في غيبوبة الأنسولين. ولا تقوم هذه الطرق المستخدمة جميعها بعلاج أعراض اضطراب الذهان. بدأ استخدام الكلوربرومازين في العلاج النفسي عندما قام اثنان من الأطباء النفسيين بإعطاء 38 مصابًا باضطراب الذهان دواء الكلوربرومازين، ولاحظا أن المرضى كانوا أكثر هدوءًا وقلت لديهم أعراض كالأوهام والهلوسات والهيجان الحركي. وفي عام 1955، أصبح الكلوربرومازين متاحًا في الولايات المتحدة وبعدها في جميع أنحاء العالم. لا يزال الكلوربرومازين يستخدم حتى اليوم كعلاج للأمراض النفسية والعقلية والاضطرابات المزاجية المختلفة [2].
بمجرد نجاح الكلوربرومازين، سارعت شركات الأدوية لدراسة عقارات أخرى لاستخدامها كمضادات للذهان. ويعتبر الكلوربرومازين أول دواء من الجيل الأول من الأدوية المضادة للذهان، وتعرف الأدوية من الجيل الأول من مضادات الذهان بقدرتها على علاج أعراض الذهان من خلال تأثيرها على مستقبلات الدوبامين D2 في الدماغ [2].
أما بالنسبة للجيل الثاني من مضادات الذهان التي ظهرت في السوق واشتملت على كلوزابين، وأولانزابين، وريسبيريدون، فقد أظهر استخدامها، وخاصة الكلوزابين نتائج إيجابية لدى المرضى، حيث كان أكثر فاعلية بالنسبة للأشخاص الذين لم يستجيبوا للعلاج باستخدام الجيل الأول من مضادات الذهان. ولكن، في عام 1975 توفي 6 أشخاص تناولوا كلوزابين في فنلندا بسبب انخفاض عدد خلايا الدم البيضاء، مما أدى إلى حدوث نقص حاد في المناعة، وتبعًا لذلك فقد بدأ المرضى الذين يستخدمون كلوزابين لعلاج مضادات الذهان بإجراء فحوصات دم أسبوعية للتأكد من عدد خلايا الدم البيضاء [2].
أما الجيل الثالث من مضادات الذهان فيضم أدوية كأريبيبرازول وبريكسبيبرازول، وهي منبهات جزئية تؤثر على مستقبلات الدوبامين، كونها تحافظ على نسبة وجود الدوبامين عند 25٪ كحد أقصى في الدماغ. وما يميز الأدوية المصنفة ضمن هذا الجيل من مضادات الذهان هو أنها لا تسبب انخفاض ضغط الدم أو مقاومة للأنسولين، ولا تعد مخدرة ومنومة بطبيعتها. وقد لوحظ أن الأدوية من الجيل الثالث قد تحدث أثرًا إيجابيًا من حيث علاج أعراض الذهان مع بعض الأشخاص في حين قد لا تصلح للعلاج مع أشخاص آخرين [2].
الاستخدامات الطبية
مضادات الذهان هي نوع من الأدوية النفسية التي يمكنك استخدامها بوصفة طبية لعلاج أعراض الذهان. وتستخدم مضادات الذهان ايضًا لعلاج أعراض الفصام والاضطراب الفصامي العاطفي، بالإضافة إلى أعراض بعض أشكال الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب حاد. ويمكن أن تساعدك مضادات الذهان على تخفيف الأعراض الذهانية المصاحبة لاضطراب الشخصية. ولكن لاحظ أن مضادات الذهان لا تقوم بعلاج مرض الذهان بحد ذاته، ولكنها قد تساعدك في تقليل العديد من الأعراض الذهانية التي تشعر بها والسيطرة عليها ، بما في ذلك [3]:
1.الأوهام والهلوسة، مثل جنون العظمة وسماع الأصوات الغير موجودة
2.القلق والانفعالات الخطيرة، مثل الشعور بالتهديد
3.الكلام غير المترابط والتفكير المشوش
4. الارتباك
5.السلوك العنيف أو التخريبي
6.الهوس
كما يمكن أن يقلل تناولك لمضادات الذهان من خطر عودة هذه الأعراض في المستقبل، وهو ما يعرف بالانتكاس [3]. قد تشعر عند استخدامك لمضادات الذهان بأن بعض أنواع مضادات الذهان تعمل بشكل أفضل من غيرها في تقليل الأعراض التي تشعر بها، أو قد تشعر بأن مضادات الذهان ليست مناسبة كعلاج ولا تحدث أي تغيير على الأعراض التي تشعر بها أو تعمل على تخفيفها.
أما بالنسبة لآلية عمل الأدوية المضادة للذهان، فهي تقوم بتقليل كمية الدوبامين في الدماغ أو إعادة توازن الدوبامين مع المواد الكيميائية الأخرى في الدماغ. حيث يعتقد أن المستويات المرتفعة من الدوبامين قد تتسبب في عمل الدماغ بشكل مختلف وقد تسبب ظهور أعراض الذهان، وهو واحد من العديد من المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ والتي تحمل الرسائل من جزء من الدماغ إلى جزء آخر. ويؤثر الدوبامين في كيفية قيامك بما يلي:
1. معرفة إذا ما كان أمر ما مثيرًا للاهتمام
2. الشعور بالدافع والرغبة.
3. المشاركة في التحكم في العضلات والحركة
الأنواع
هناك ثلاثة أنواع رئيسية تصنف ضمنها الأدوية المضادة للذهان، وتشمل ما يلي [1]:
·مضادات الذهان من الجيل الأول "مضادات الذهان التقليدية"
وهذه هي أول الأدوية التي تم تطويرها لعلاج الذهان، حيث بدأ استخدامها سنة 1950. ولا يتم استخدام معظمها بشكل شائع لعلاج الذهان الآن، فهي فئة أقدم من مضادات الذهان من الجيل الثاني "غير التقليدية". كانت تستخدم مضادات الذهان من الجيل الأول في المقام الأول لعلاج أعراض اضطراب الذهان مثل الهلوسة والأوهام [4]. ويقوم الأطباء بوصف أدوية الجيل الأول من مضادات الذهان لحالات الاضطرابات النفسية الأخرى، مثل الهوس الحاد والاضطراب ثنائي القطب. وتشمل الأدوية المصنفة من ضمن الجيل الأول لمضادات الذهان على [5]:
1. كلوربرومازين
2. فلوفينازين
3. هالوبيريدول
4. لوكسابين
5. بيرفينازين
6. بيموزيد
7. ثيوثيكسين
8. تريفلوبيرازين
واحدة من أهم الأعراض الجانبية التي قد تسببها الأدوية المضادة للذهان من الجيل الأول هي مشاكل الحركة. قد تكون هذه المشاكل قصيرة الأجل أو طويلة الأجل. وقد تكون معتدلة، مثل تصلب العضلات، أو قد تتطور لتصل إلى حدوث اضطرابات حركية خطيرة وتشمل الآثار الجانبية الأخرى لمضادات الذهان من الجيل الأول ما يلي [5]:
1. تصلب العضلات.
2. خلل التوتر العضلي: وهو اضطراب تنقبض فيه العضلات بشكل لا إرادي وتسبب حركات متكررة. قد يسبب استخدام الدواء تقلصات عضلية خفيفة أو شديدة قد تكون مؤلمة وتتعارض مع الحياة اليومية للمصابين.
3. خلل الحركة المتأخر: وتشمل حدوث حركة لا يمكن السيطرة عليها أو اهتزاز في الفك والشفتين واللسان. إذا ظهرت أعراض خلل الحركة المتأخر لدى المريض، فقد يقوم الطبيب النفسي بخفض جرعة الدواء. ولكن قد يحتاج المريض لجرعة أكبر من الدواء المضاد للذهان لتخفيف الأعراض المصاحبة للذهان، وفي هذه الحالة، قد يقوم الطبيب بعلاج خلل الحركة المتأخر بوصف أدوية إضافية.
·مضادات الذهان من الجيل الثاني "مضادات الذهان غير التقليدية"
وهي الأدوية الرئيسية لعلاج الذهان في وقتنا الحالي والتي بدأ استخدامها سنة 1990، وذلك يعود لكونها تسبب أعراض جانبية أقل عند الاستخدام. مضادات الذهان من الجيل الثاني فعالة أيضًا في علاج أعراض مرض انفصام الشخصية، ويعتقد أنها أكثر فعالية من مضادات الذهان من الجيل الأول في علاج أعراض مرض انفصام الشخصية، التي تشمل ضعف الأنشطة العقلية العادية، مثل: التعبير العاطفي والمشاركة الاجتماعية والتفكير والتحفيز [4]. وتثبط مضادات الذهان من الجيل الثاني مستقبلات الدوبامين جزئيًا وقد تؤثر على هرمونات أخرى، مثل السيروتونين. وتشمل مضادات الذهان من الجيل الثاني ما يلي [5]:
1. أريبيبرازول
2. أسينابين
3.كلوزابين
4.إيلوبيريدون
5.لوراسيدون
6.اولانزابين
7.بالبيريدون
8.ريسبيريدون
9.كيتيابين
10.زيبراسيدون
من غير المرجح أن تؤدي مضادات الذهان من الجيل الثاني إلى أعراض جانبية مشابهة للجيل الأول والمتمثلة بمشاكل في الحركة. وتعد الأعراض الجانبية الأكثر شيوعًا لاستخدام مضادات الذهان من الجيل الثاني زيادة الوزن والتغيرات الأيضية. وتشمل الأعراض الجانبية ما يلي [5]:
1. ارتفاع السكر في الدم
2. مقاومة الأنسولين
3. زيادة الوزن
وللتخلص من هذه الأعراض الجانبية، قد ينصحك طبيبك بتغيير النظام الغذائي أو ممارسة الرياضة أو قد يقوم بوصف العلاجات الطبية الأخرى لمنع أو تقليل حدوث الأعراض الجانبية.
·مضادات الذهان من الجيل الثالث
وتشمل مضادات الذهان من الجيل الثالث ما يلي:
1. أريبيبرازول
2. كاريبرازين
3. بريكسبيبرازول
4. لوماتيبيرون
وقد يؤدي استخدام مضادات الذهان من الجيل الثالث إلى ظهور أعراض جانبية تشمل ما يلي:
1. التململ
2. مشاكل النوم
3. جفاف الفم
4. مشاكل في زيادة أو نقصان الوزن
ولاستخدام العلاج المناسب من بين مضادات الذهان المتوفرة، ننصحك بالتحدث إلى طبيبك الذي سيقوم بسؤالك عن الأعراض التي تشعر بها وتشخيص حالتك من ثم اختيار العلاج المناسب لك.
الأعراض الجانبية
قد تسبب جميع الأدوية المضادة للذهان ظهور أعراض جانبية عند استخدامها. ولكن، هذا لا يعني أن كل من يتناول مضادات الذهان قد يعاني من أعراض جانبية، حيث يختلف ظهور الأعراض من شخص إلى آخر. ومن الأعراض الجانبية التي قد تسببها مضادات الذهان ما يلي [6]:
1. رعاش
2. زيادة الوزن
3. ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم.
4. زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام
5. الشعور بالنعاس والاسترخاء.
6. مشاكل في القلب أو الأوعية الدموية.
7. الحساسية للضوء
8. زيادة حساسية الجلد.
كما يمكن أن يسبب استخدام مضادات الذهان التململ (بالإنجليزية: Akathisia) وهو عدم القدرة على الجلوس وعدم الشعور بالراحة الداخلية، وهو عرض مرهق للمريض، فإذا كان المريض يعاني من التململ بعد استخدام مضادات الذهان، فيجب عليه الاتصال فورًا بالطبيب النفسي للقيام بالإجراء المناسب.
وفي حال استمرار أي من الأعراض الجانبية أو الانزعاج منها، فينصح بالتحدث إلى الطبيب النفسي المعالج. ولتخفيف الأعراض الجانبية أو منعها، قد يقوم الطبيب بأي من الإجراءات التالية:
1. تغيير جرعة الدواء المستخدم
2. وصف دواء مختلف
3. اقتراح تناول الدواء في وقت مختلف من اليوم، مثل: بعد تناول الطعام أو قبل النوم
4. تجريب التدخل غير الدوائي لتقليل الأعراض الجانبية. على سبيل المثال، يمكن أن تكون برامج النظام الغذائي والتمارين الرياضية مفيدة في معالجة زيادة الوزن.
إن كنت تعاني من أعراض الذهان وتستخدم أي من مضادات الذهان للتخلص من الأعراض أو تخفيفها، ننصحك بالتحدث إلى طبيبك للاستفسار عن الأعراض الجانبية، وقد يخبرك الطبيب بما يمكنك فعله لتقليل الأعراض الجانبية المحتملة أو تجنبها.