النظرة التاريخية
كان دواء الإبرونيازيد من أوائل مضادات الاكتئاب التي أثبتت نجاحها سريريًا، وهو دواء تم تطويره في الأصل لعلاج مرض السل، ثم اكتشف العلماء في الخمسينيات من القرن الماضي أن فرط النشاط الذي يعاني منه بعض المرضى الذين كانوا يتناولون الإبرونيازيد ناتج عن تثبيط الأوكسيديز أحادي الأمين، وهو إنزيم موجود في الكبد والدماغ يقوم بتفكيك النواقل العصبية أحادية الأمين [1].
وفي الخمسينيات من القرن الماضي أيضًا، تم اكتشاف أول مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، التي تمنع امتصاص النورأدرينالين والسيروتونين والدوبامين النشط بدرجات متفاوتة في الدماغ. تشمل المركبات ثلاثية الحلقات إيميبرامين وأميتريبتيلين وديسيبرامين ونورتريبتيلين، وعدد من المركبات الأخرى. ثم ظهرت مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في الثمانينيات، وبعد ذلك بوقت قصير أصبحت من أكثر مضادات الاكتئاب شيوعًا، وذلك يعود لكونها تسبب أعراض جانبية أقل من مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات أو مثبطات أكسيداز أحادي الأمين. تشمل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية فلوكستين وباروكستين وسيرترالين. تستخدم مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية أيضًا في علاج القلق واضطرابات الأكل واضطراب الهلع واضطراب الوسواس القهري واضطراب الشخصية الحدية. ومع مرور الزمن، تم تطوير مضادات اكتئاب أخرى غير تقليدية تستخدم لعلاج الاكتئاب في بعض الحالات التي قد لا تستجيب للأدوية الأخرى. ومن بين هذه الأدوية، ميرتازابين وترازودون [1].
منذ اكتشاف أول مضاد للاكتئاب وحتى اليوم، تطورت مضادات الاكتئاب بشكل كبير وأصبحت أكثر فعالية وتسبب أعراض جانبية أقل. وتعد مضادات الاكتئاب جزءًا أساسيًا من العلاج النفسي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات المزاج والاكتئاب، وقد ساعدت في تحسين ظروف ونوعية حياة العديد من المرضى. وتتواصل الأبحاث الطبية والعلمية في مجال مضادات الاكتئاب لتحسين العلاجات المتاحة وتوفير الدعم اللازم للأشخاص الذين يحتاجون إلى معالجة أعراض الاكتئاب، بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية الأخرى [1].
الاستخدامات الطبية
يعتبر الاستخدام الرئيسي لمضادات الاكتئاب هو علاج اضطراب الاكتئاب عند البالغين. وفي معظم الحالات، يعطى الأشخاص البالغون المصابون بالاكتئاب المعتدل إلى الشديد مضادات الاكتئاب كأول وسيلة لعلاج أعراض الاكتئاب، وغالبًا ما يتم وصف مضادات الاكتئاب مع جلسات العلاج السلوكي المعرفي. كما يتم وصف مضادات الاكتئاب أحيانًا لبضعة أشهر لعلاج أعراض الاكتئاب الخفيف لمعرفة ما إذا كان المريض يشعر بأي تحسن في الأعراض، حيث أن مضادات الاكتئاب قد لا تكون فعالة في علاج أعراض الاكتئاب الخفيف. وفي حال لم يلاحظ أي تحسن في حالة المريض، فيقوم الطبيب بإيقاف الدواء تدريجيًا وببطء .[2] وتشمل الاضطرابات التي تتم معالجة أعراضها باستخدام مضادات الاكتئاب ما يلي [3]:
1. اضطراب الاكتئاب الشديد
2. الاكتئاب ثنائي القطب.
3. اضطراب الاكتئاب المستمر
4. الاكتئاب الموسمي (الاضطراب العاطفي الموسمي).
وفي البداية، عادة ما يتم وصف أحد الأدوية المصنفة ضمن مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائي (SSRI) وإذا لم تتحسن الأعراض بعد حوالي أربعة أسابيع، فقد يقوم الطبيب بوصف مضاد اكتئاب بديل أو قد يقوم بزيادة جرعة الدواء. وفي حال لم لم تلاحظ أي تحسن في أعراض الاكتئاب لديك، فقد ينصحك الطبيب باستخدام علاجات أخرى مثل العلاج المعرفي السلوكي للمساعدة في تحقيق نتائج أفضل.[2]
الأنواع
تختلف الأدوية المضادة للاكتئاب في طريقة عملها وتأثيراتها على المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ. ولاختيار الدواء المناسب لعلاج أعراض الاكتئاب، يجب استشارة الطبيب لتقييم الحالة والصحة العامة لتحديد العلاج والجرعة المناسبة. وفيما يلي بعض أنواع مضادات الاكتئاب الشائعة التي قد يصفها الطبيب لك:
· مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)
يتم وصف الأدوية التي تندرج تحت هذه المجموعة بشكل أساسي لعلاج الاكتئاب، وخاصة حالات الاكتئاب المستمرة أو الشديدة، وغالبًا ما تستخدم مع جلسات العلاج السلوكي المعرفي. وعادةً ما تكون مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية الخيار الأول لعلاج الاكتئاب لأنها عمومًا تسبب أعراض جانبية أقل من معظم الأنواع الأخرى من مضادات الاكتئاب [4].
وبالإضافة إلى الاكتئاب ، يمكن استخدام مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لعلاج عدد من حالات الاضطراب النفسي الأخرى، بما في ذلك [4]:
· اضطراب القلق العام
· اضطراب الوسواس القهري
· اضطراب الهلع
· اضطراب الرهاب الشديد
· اضطراب ما بعد الصدمة
وتشتمل مثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين على الأدوية التالية [4]:
1. سيتالوبرام (Citalopram)
2. إسيتالوبرام (Escitalopram)
3. فلوكستين (Fluoxetine)
4. باروكسيتين (Paroxetine)
5. سيرترالين (Sertraline)
يعتقد أن آلية عمل مثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين تتمثل في زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ. والسيروتونين هو ناقل عصبي يقوم بنقل الإشارات بين الخلايا العصبية في الدماغ ويؤثر على الحالة المزاجية والعاطفية والنوم. وتعمل مثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين عن طريق منع إعادة الامتصاص، مما يعني توفر المزيد من السيروتونين لنقل المزيد من الرسائل بين الخلايا العصبية القريبة[4] .
· مثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs)
هي فئة من الأدوية الفعالة في علاج الاكتئاب، و,تستخدم أيضًا في بعض الأحيان لعلاج حالات أخرى، مثل: اضطرابات القلق والألم طويل الأمد (المزمن) ، وخاصة آلام الأعصاب. ومن الأدوية التي تندرج تحت مجموعة مثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين ما يلي [5]:
1. فينلافاكسين (Venlafaxine)
2. دولوكستين (Duloxetine)
3. ميلناكسيبر (Milnacipran)
وتعمل على تخفيف الاكتئاب عن طريق التأثير على الناقلات الكيميائية المستخدمة للتواصل بين خلايا الدماغ. تعمل جميع مثبطات امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين بطريقة مماثلة ويمكن أن تسبب أعراض جانبية مماثلة، على الرغم من أن بعض الأشخاص قد لا يعانون من أي أعراض جانبية. عادة ما تكون الأعراض الجانبية خفيفة وتختفي بعد الأسابيع القليلة الأولى من العلاج. كما يمكن لبعض الممارسات أن تقلل من الأعراض الجانبية، فمثلًا قد يقلل تناول الدواء مع الطعام من الغثيان [5].
· مثبطات أكسيداز أحادي الأمين (MAOIs):
هي أدوية تستخدم لعلاج الاكتئاب. وهي في العادة تستغرق وقتًا للعمل ولكن يمكن أن تكون مفيدة إلى جانب العلاجات الأخرى بالإضافة إلى اتباع نمط حياة صحي. ولكنها عادة ما تسبب المزيد من الأعراض الجانبية ولذلك لا تعد من العلاجات الأولى التي تستخدم في حالة الاكتئاب. ومن الأمثلة على الأدوية التي تصنف ضمن مجموعة مثبطات الأكسيداز أحادي الأمين [6]:
1. فينيلزين (Phenelzine)
2. ترانسيليبرومين (Tranylcypromine)
تؤثر مثبطات أكسيداز أحادي الأمين على الناقلات العصبية التي تسمح لخلايا الدماغ بالتواصل مع بعضها البعض. يعتقد أن الاكتئاب ناتج عن انخفاض مستويات الناقلات العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين والنورادرينالين، والتي تُسمى مجتمعة الأمينات الأحادية. ويعمل الأكسيداز أحادي الأمين على إزالة هذه الناقلات العصبية وبالتالي إيقاف تأثيرها. وتعمل هذه الأدوية عن طريق تثبيط الأكسيداز أحادي الأمين، مما يسمج ببقاء هذه الناقلات العصبية في الدماغ لمزيد من الوقت، وبالتالي تحسين ورفع الحالة المزاجية من خلال تحسين الاتصال بخلايا الدماغ [6].
· مضادات الاكتئاب غير التقليدية
تتكون هذه الفئة غير التقليدية من مضادات الاكتئاب من أدوية تعمل بطرق مختلفة. عادةً ما يتم وصف مضادات الاكتئاب غير التقليدية إذا كان المريض قد جرب مضادًا آخر للاكتئاب ولم ينجح في تحسين أعراض الاكتئاب. يمكن أيضًا وصف مضادات الاكتئاب غير التقليدية إذا تسبب أحد مضادات الاكتئاب السابقة في أعراض جانبية غير مرغوب بها أو غير محتملة. وتستخدم مضادات الاكتئاب غير النمطية بشكل عام لعلاج اضطراب الاكتئاب الشديد. وقد يتم وصف استخدام بعض مضادات الاكتئاب غير التقليدية كعلاج أول لأسباب مختلفة، مثلًا للأشخاص المصابين بالاكتئاب والذين يعانون من مشاكل في النوم حيث أن هذه الأدوية يمكن أن يكون لها تأثيرات مهدئة [7].
ومن الأمثلة على الأدوية التي تندرج ضمن مضادات الاكتئاب غير التقليدية ما يلي [7]:
1. ميرتازابين (Mirtazapine)
2. ترازودون (Trazodone)
3. بوبروبيون (Bupropion)
تعمل مضادات الاكتئاب غير التقليدية بطرق مختلفة لعلاج الاكتئاب الشديد. وتعمل بشكل عام على موازنة بعض النواقل العصبية أو في الدماغ. وحسب نوع الدواء، يمكن لمضادات الاكتئاب غير التقليدية أن تزيد من مستويات النواقل العصبية كالسيروتونين أو النوربينفرين أو الدوبامين، حيث أن هذه النواقل العصبية تعمل على تحسين الحالة المزاجية وزيادة التحفيز [7].
· مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات ( (Tricyclic Antidepressants
مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCAs) هي نوع قديم من مضادات الاكتئاب، وتعد خيار جيد للمرضى الذين يقاوم اكتئابهم الأدوية الأخرى ولا يستجيبون لاستخدامها، ولكن قد يجد البعض أن الأعراض الجانبية مزعجة أو غير محتملة. ومن الأدوية التي تندرج ضمن مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات ما يلي [8]:
1. آميتريبتيلين (Amitriptyline)
2. إيميبرامين (Imipramine)
3. نورتريبتيلين (Nortriptyline)
4. دوكسيبين (Doxepin)
5. أموكسابين (Amoxapine)
تساعد مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات في زيادة كمية السيروتونين والنورادرينالين في الدماغ، وبالتالي، فهي تساعد على تحسين الحالة