كان من الشائع بين المؤرخين والأطباء في القرن التاسع عشر أن دراسة الأوهام كانت بمثابة دراسة حالات الجنون. لاحقًا، نشأ مفهوم الأوهام الغريبة، وقد ذكر لأول مرة في كتابات كريبلين التي وصفت بعض الأوهام بأنها "تظهر طابعًا استثنائيًا وغير منطقي " وتستخدم في التشخيص التفريقي لـ "الخرف المبكر". بعد ذلك، قام ياسبرز بالتمييز بين "الأوهام الحقيقية" و"الأفكار الشبيهة بالوهم" من حيث عدم فهمها وخصوصيتها لمرض انفصام الشخصية.
ووردت في الأدلة العلمية العديد من التعريفات لوصف الأوهام ، وقد تطورت هذه التعريفات مع مرور الزمن لتعطي فهمًا أوضح وأشمل للأوهام كأحد أعراض الاضطرابات الذهانية الشائعة. تم تعريف الأوهام في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الثالثة والرابعة على أنها "معتقدات كاذبة تظهر نتيجة للتفكير غير الصحيح في الواقع الخارجي". لاحقَا، في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية، الطبعة الخامسة، أصبح تعريف الأوهام أكثر إيجازًا، حيث تم تعريف الأوهام على أنها "المعتقدات الثابتة التي لا يمكن تغييرها في ضوء الأدلة المتضاربة". قام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الخامسة أيضًا بتصنيف الوهم إلى عدة أنواع لتسهيل دراستها وتشخيصها من قبل الأطباء للمساعدة في اختيار العلاج المناسب.
الأسباب
لم يصل الباحثون حتى الآن إلى نتائج مؤكدة حول أسباب حدوث الوهم لدى الأشخاص المصابين بالاضطرابات النفسية، وخاصة الاضطرابات الذهانية. ولكن يبدو أن هناك مجموعة متنوعة من العوامل الجينية والبيولوجية والنفسية والبيئية التي قد يكون لها تأثير وقد تزيد من احتمالية الإصابة بالأوهام. وتشمل هذه العوامل ما يلي:
1. الأسباب الوراثية
يبدو أن الاضطرابات الذهانية، التي تعد الأوهام أحد أهم أعراضها، تنتشر في العائلات، لذلك يشتبه الباحثون في وجود مسبب وراثي للأوهام. على سبيل المثال، قد يكون الأطفال الذين يولدون لأبوين مصابين بالفصام أكثر عرضة لخطر الإصابة بالأوهام.
2. الأسباب البيولوجية
قد تساهم الاختلالات في الدماغ والاضطرابات في مستويات النواقل العصبية في ظهور الأفكار والسلوكيات الوهمية. قد يؤدي عدم توازن الناقلات العصبية في الدماغ إلى زيادة احتمالية الإصابة بالأوهام.
3. الأسباب النفسية
يمكن أن تؤدي الصدمات والضغوط النفسية التي قد يمر بها الشخص في أي مرحلة من مراحل الحياة إلى ظهور الأوهام لديه. وقد لاحظ الأطباء النفسيون أن الأشخاص الذين يميلون إلى العزلة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب الوهمي بشكل أكبر.
4. الأسباب البيئية
في بعض الأحيان، قد يتشارك الأشخاص في حدوث الأوهام، وهو ما يعد أمرًا غريبًا ونادرًا الحدوث. هذه الحالة تعد أكثر شيوعًا عند الأشخاص الذين يقيمون معًا ويكون لديهم اتصال قليل بالعالم الخارجي، فإذا أصيب أحدهم بالأوهام، فقد يبدأ الأشخاص الآخرون برؤية نفس هذه الأوهام وتصديقها.
الأنواع
قام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الخامسة بتصنيف الوهم إلى أربعة أنواع رئيسية للتفريق بينها وتسهيل الحصول على التشخيص الدقيق. وتشمل الأنواع الرئيسية للأوهام ما يلي:
1. الأوهام غير القابلة للتصديق أو التي يستحيل حدوثها، مثل أن يتم اختطافك من قبل كائنات فضائية.
2. الأوهام غير الغريبة والواقعية، مثل التعرض للخيانة أو التسميم أو المطاردة من قبل شريك سابق.
3. الأوهام المتوافقة مع الحالة المزاجية كالاكتئاب أو الهوس، مثل أوهام التعرض للاضطهاد عند الإصابة بالاكتئاب، وأوهام التفوق أو الشهرة عند الإصابة بالهوس.
4. الأوهام غير المتوافقة مع الحالة المزاجية، مثل أوهام السيطرة. على سبيل المثال، قد تتوهم وجود قوة خارجية تتحكم في أفكارك أو حركاتك.
الأعراض
لمعرفة ما إذا كنت أنت أو أي شخص مقرب منك تعانون من أفكار وهمية، فعليك مراقبة مجموعة من العلامات التي قد تظهر في حالة التوهم. تتميز الأوهام بالاعتقاد الراسخ بأشياء غير حقيقية، وفي كثير من الحالات، يكون هناك اعتقاد مستمر بالوهم على الرغم من وجود أدلة تثبت عكس ذلك. ومن المهم أيضًا أن ندرك أنه ليست كل الأوهام متشابهة. قد تتضمن بعض الأوهام معتقدات غير غريبة يمكن أن تحدث نظريًا في الحياة الواقعية. يمكن أن تكون الأوهام أيضًا غريبة أو خيالية أو مستحيلة، مثل التفكير في أنك مسؤول عن مصير العالم.
قد تلعب طبيعة الأعراض الوهمية دورًا رئيسيًا في التشخيص. على سبيل المثال، يتميز الاضطراب الوهمي بأوهام غير غريبة تتضمن غالبًا تفسيرًا خاطئًا للتجربة أو الإدراك. وعلى العكس من ذلك، في حالة الفصام، قد تكون الأوهام غريبة وغير منطقية في الواقع. وتشمل العلامات التي قد تدل على الإصابة بالوهم ما يلي:
1. مزاج عصبي
2. قلق أو اكتئاب، والذي يمكن أن يكون رد فعل على المعتقدات الوهمية
3. الغضب والسلوك العنيف، والذي قد يظهر مع أنواع اضطراب التوهم المرضي الاضطهادية والغيرة
العلاج
من المهم، في حال كنت تعاني من التفكير الوهمي أن تطلب المساعدة المتخصصة من الطبيب أو المعالج النفسي. ومع ذلك، قد يكون الذهاب إلى الطبيب أمرًا صعبًا، نظرًا لأن الأشخاص الذين يعانون من الأوهام غالبًا لا يعتقدون أنهم يعانون من الأوهام كمشكلة. يعتقد الشخص الذي يعاني من الأوهام أن ما يراه من أوهام هو الحقيقة. وبالتالي، فإذا شعرت بأن أحد المقربين أو الأصدقاء يعاني من الأفكار التوهمية، فننصحك باستشارة الطبيب لمساعدته على الحصول على العلاج والتخلص من هذه الأوهام وعيش حياة طبيعية. غالبًا ما يتضمن علاج الأوهام الذي يقوم بوصفه الطبيب مزيجًا من الأدوية والعلاج.
· الأدوية
الأدوية التي يمكن استخدامها للمساعدة في علاج التفكير الوهمي والسلوكيات الناتجة عنها قد تشمل ما يلي:
مضادات الذهان التقليدية: تستخدم هذه الأدوية من الجيل الأول لمنع مستقبلات الدوبامين في الدماغ. الدوبامين هو ناقل عصبي يعتقد أنه يشارك في تطور الأوهام.
مضادات الذهان غير التقليدية: تعمل هذه الأدوية على منع مستقبلات الدوبامين والسيروتونين في الدماغ. وهذا يؤدي إلى أعراض جانبية مختلفة عن مضادات الذهان من الجيل الأول.
المهدئات: في بعض الأحيان يتم استخدام المهدئات لمعالجة مشاكل القلق أو النوم الشائعة لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الوهم.
مضادات الاكتئاب: يمكن استخدام هذه الأدوية الموصوفة طبيًا إذا كان الشخص الذي يعاني من أفكار وهمية يعاني أيضًا من مشكلة مزاجية، مثل الاكتئاب.
· جلسات العلاج النفسي
قد يشمل علاج الأوهام العلاج السلوكي المعرفي. يساعدك العلاج السلوكي المعرفي، إذا كنت تعاني من الأوهام، على تعلم كيفية التعرف على الأفكار والسلوكيات غير السليمة وتغييرها. غالبًا ما يكون العلاج الأسري جزءًا من علاج الأوهام أيضًا. من خلال هذا النوع من العلاج، يمكن لأفراد الأسرة تعلم كيفية دعم أحبائهم الذين يعانون من أنماط التفكير أو السلوك الوهمية.
في بعض الحالات، قد تكون هناك حاجة إلى دخول المستشفى النفسي للمساعدة على التخلص من الأوهام خاصة إذا كانت شديدة ومتكررة، للمساعدة على تحقيق الاستقرار، خاصة إذا أصبحت الأفكار الوهمية تشكل خطرًا عليك أو على الآخرين.
وإذا شعرت بأنك مصاب بالوهم، أو أن أحد أصدقائك أو المقربين منك يعانون من الأوهام، فننصحك باستشارة الطبيب النفسي في أسرع وقت، والذي سيقوم بتشخيص الحالة بدقة بعد السؤال عن الأعراض والتاريخ المرضي، ومن ثم سيقوم باختيار العلاج أو مجموعة العلاجات المناسبة، ومن ثم متابعة الحالة لملاحظة أي تحسن في الأعراض.
أسئلة وأجوبة
السؤال الأول/ كيف تتخلص من الوهم والخوف؟
للتخلص من الوهم والخوف، ننصحك بمراجعة الطبيب للحصول على العلاج المناسب، حيث أنه من الصعب التحكم بالوهم دون الحصول على العلاج المناسب. قد يكون الجمع بين استخدام الأدوية لعلاج الوهم وحضور جلسات العلاج النفسي وخاصة العلاج السلوكي المعرفي هو الحل الأمثل للتخلص من التوهم والخوف الناتج عنه.
السؤال الثاني/ هل الاكتئاب يسبب توهم؟
غالبًا ما ترتبط أنواع الأوهام والهلوسة بالإصابة بالاكتئاب كاضطراب نفسي. على سبيل المثال، قد يسمع بعض الأشخاص أصواتًا تنتقدهم، أو تخبرهم أنهم لا يستحقون الحياة. قد يتطور لدى الشخص معتقدات خاطئة عن جسده، مثل الاعتقاد بأنه مصاب بالسرطان أو بأي من الأمراض الأخرى. ويعتبر الاضطراب الاكتئابي الرئيسي ذو المظاهر الذهانية هو نوع متميز من مرض الاكتئاب حيث يكون اضطراب المزاج مصحوبًا إما بالأوهام أو الهلوسة أو كليهما.
السؤال الثالث/ كيف أتخلص من التفكير الوهمي؟
قم بتركيز انتباهك على نشاط يشتت الانتباه مثل القراءة أو الغناء أو الاستماع إلى الموسيقى أو الاعتناء بالمزروعات أو ممارسة الرياضة. تحدث إلى الأصوات التي تتوهمها وتحداها وأصر على أن ترحل. قم بتعلم طرق لإدارة مستويات التوتر والقلق لديك. تأكد من أنك تحصل على قسط كاف من النوم.
ولعلاج مشاكل الوهم لديك، ننصحك باستشارة الطبيب النفسي للحصول على العلاج المناسب الذي قد يكون مزيجًا من الأدوية وجلسات العلاج النفسي وخاصة العلاج السلوكي المعرفي، الذي سيمكنك من تحديد السلوكيات السلبية ثم العمل على إدارتها ومن ثم التخلص منها. قد يقوم المعالج النفسي بتعليمك مجموعة من الطرق التي يمكنك اتباعها للسيطرة على التوهم والقلق الناتج عنه.
السؤال الرابع/ كيف تعرف انك تتوهم المرض؟
تتضمن العلامات التي تدل على توهمك الإصابة بمرض ما أو إصابتك باضطراب قلق المرض الانشغال بفكرة أنك مريض بشكل خطير، بناءً على أحاسيس الجسم الطبيعية، مثل ألم المعدة أو العلامات البسيطة، مثل الطفح الجلدي البسيط. قد تشمل العلامات والأعراض التي قد تصيبك، الانشغال بالإصابة بمرض أو حالة صحية خطيرة، وعادة ما تقوم بإجراء الفحوصات التي تثبت تمتعك بحالة صحية جيدة، ولكن هذا لا يجعلك تتوقف عن التفكير بالمرض ولا يشعرك بأي تحسن.
السؤال الخامس/ هل مرض الوهم خطير؟ً
في الغالب، لا تؤدي معظم الأوهام إلى حدوث العنف ولا تشكل إي خطرًا على الأشخاص المحيطين بالشخص المصاب بالتوهم، إلا أنه من الممكن أن تكون بعض الأوهام خطيرة، وتدفع المصاب إلى التصرف المفاجئ وغير العقلاني. إذا كنت تشعر بعدم الأمان أثناء تواجدك مع أحد الأشخاص الذين يعانون من التوهم، فننصحك بالاتصال في الطبيب النفسي بأسرع وقت أو طلب المساعدة. من المهم أن تكون داعمًا وأن تقدم المساعدة إذا استطعت، ولكن من المهم أيضًا أن تحافظ على سلامتك وتبتعد عن أي خطر قد يؤذيك.