في أوائل القرن التاسع عشر، كان الباحثون منقسمين حول أسباب الوسواس القهري. ركز الفرنسيون على القلق وفقدان الشخص للإرادة، بينما ظل الأطباء النفسيون الإنجليز يركزون على المنظور الديني للإصابة باضطراب الوسواس القهري. اعتبر الباحثون في ألمانيا الوسواس القهري اضطرابًا فكريًا واعتقدوا أن الأفكار غير العقلانية هي أحداث عصبية.
في عام 1838، تم وصف الوسواس القهري بأنه شكل من أشكال الهوس أو الجنون الجزئي، و تم اعتبار الإكراه على أنه نوع من الاندفاع والوسواس الذي لا يمكن مقاومته. وقد قام الباحثون بتصنيف الوسواس القهري ضمن فئة "أمراض المشاعر"، والتي يعتقد أنها نشأت من أمراض تؤثر على الجهاز العصبي اللاإرادي. اعتبر الطب النفسي الألماني الوسواس القهري، إلى جانب جنون العظمة، اضطرابًا في الفكر.
ويعتقد فرويد أن سلوك الوسواس القهري ناتج عن صراع داخلي، حيث أشار لأول مرة إلى الوسواس القهري باسم "عصاب القلق" في عام 1895. وبعدها، بدأت منظمات الصحة العقلية الرسمية في ملاحظة هذه الحالة. على وجه التحديد، أدرج كل من الدليل التشخيصي والإحصائي للجمعية الأمريكية للطب النفسي والتصنيف الدولي للأمراض التابع لمنظمة الصحة العالمية الوسواس القهري ضمن اضطرابات الصحة العقلية المعترف بها.
الأسباب
الوسواس القهري اضطراب شائع يصيب البالغين والمراهقين والأطفال من مختلف الأعمار. وعادة ما يكون ظهور المرض في سن مبكرة عند الأولاد أكثر من الفتيات. لا يوجد أسباب محددة ومعروفة للإصابة باضطراب الوسواس القهري، ولكن تشمل عوامل الخطر التي يمكن أن تزيد من احتمالية إصابتك باضطراب الوسواس القهري ما يلي:
· الوراثة
أظهرت دراسات الأسرة أن الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى (مثل أحد الوالدين أو الأخ) يعانون من الوسواس القهري معرضون بشكل أكبر للإصابة بالوسواس القهري. ولا تزال الأبحاث جارية من أجل استكشاف العلاقة بين الوراثة والوسواس القهري، مما قد يساعد في تحسين تشخيص وعلاج أعراض اضطراب الوسواس القهري.
· بنية الدماغ ووظائفه
أظهرت الدراسات اختلافات في القشرة الأمامية للدماغ لدى مرضى اضطراب الوسواس القهري. لذلك، فمن المرجح أن يكون هناك علاقة بين أعراض اضطراب الوسواس القهري والتشوهات في مناطق معينة من الدماغ، ولا تزال الأبحاث جارية لدراسة وتحديد الارتباط والتأثير. سيساعد فهم بنية الدماغ وارتباطه بالإصابة بالوسواس القهري في تحديد علاجات محددة ومخصصة لعلاج الوسواس القهري.
· البيئة
لاحظ الباحثون وجود علاقة بين التعرض لصدمات خلال مرحلة الطفولة وظهور أعراض الوسواس القهري في بعض الدراسات.
· الإصابة بالأمراض
في بعض الحالات، قد يصاب الأطفال بأعراض اضطراب الوسواس القهري بعد الإصابة بالمكورات العقدية، وهو ما يسمى اضطرابات المناعة الذاتية العصبية النفسية للأطفال المرتبطة بالعدوى بالمكورات العقدية.
الأعراض
قد يعاني الأشخاص المصابون بالوسواس القهري من أعراض الوساوس أو الإكراه على القيام بسلوكيات معينة أو كليهما. يمكن أن تتداخل هذه الأعراض مع جميع جوانب الحياة، مثل العمل والمدرسة والعلاقات مع الآخرين. ومن الأعراض التي قد تظهر لديك في حال إصابتك باضطراب الوسواس القهري ما يلي
· الهوس. وهي أفكار أو صور ذهنية متكررة تسبب القلق. وتشمل هذه الأفكار ما يلي:
1. الخوف من الجراثيم أو التلوث
2. الأفكار غير المرغوب فيها التي تنطوي على الجنس أو الدين أو الأذى
3. أفكار عدوانية تجاه الآخرين أو النفس
4. امتلاك الأشياء بشكل متماثل أو بترتيب مثالي
· الدوافع. هي سلوكيات متكررة يشعر الشخص المصاب باضطراب الوسواس القهري بالحاجة إلى القيام بها استجابة لفكرة الوسواس. تشمل الدوافع الشائعة ما يلي:
1. التنظيف المفرط و/ أو غسل اليدين
2. ترتيب الأشياء بطريقة معينة ودقيقة
3. فحص الأشياء بشكل متكرر، مثل الفحص المتكرر لمعرفة ما إذا كان الباب مغلقًا أو الفرن مغلق
4. العد القهري
· التكرار. ليست كل العادات أو التصرفات تحدث دون سيطرة. قد تقوم بفحص الأشياء مرتين في بعض الأحيان. لكن في حال إصابتك باضطراب الوسواس القهري، بشكل عام قد تعاني من تكرار الأشياء باستمرار مثل:
1. لا يمكنك التحكم في أفكارك وسلوكياتك، حتى عندما تشعر أن تلك الأفكار أو السلوكيات مفرطة
2. تقضي ما لا يقل عن ساعة واحدة يوميًا في التفكير في هذه الأفكار أو السلوكيات
3. لا تشعر بالسعادة عند أداء السلوكيات، ولكنك قد تشعر بالراحة لفترة وجيزة من القلق الذي تسببه الأفكار
4. تواجه مشاكل كبيرة في حياتهم اليومية بسبب هذه الأفكار أو السلوكيات
· التشنج اللاإرادي. يعاني بعض الأفراد المصابين بالوسواس القهري أيضًا من اضطراب التشنج اللاإرادي. التشنجات اللاإرادية الحركية هي حركات مفاجئة وجيزة ومتكررة، مثل رمش العين وحركات العين الأخرى، وحك الوجه، وهز الكتفين، واهتزاز الرأس أو الكتف. تشمل التشنجات اللاإرادية الصوتية الشائعة الأصوات التي تصدر من الحلق أو الاستنشاق أو الشخير.
قد تظهر الأعراض وتختفي، أو تزداد سوءًا. قد تحاول في حال إصابتك باضطراب الوسواس القهري أن تتجنب المواقف التي تثير الهوس لديم. فعلى الرغم من أن معظم البالغين المصابين بالوسواس القهري يدركون أن ما يفعلونه لا معنى له، إلا أن بعض البالغين ومعظم الأطفال قد لا يدركون أن سلوكهم خارج عن المألوف ويحتاج إلى تدخل وعلاج. وعادة ما يتعرف الآباء والمعلمون على أعراض الوسواس القهري عند الأطفال.
إذا كنت تعتقد أنك مصاب بالوسواس القهري أو لاحظت ظهور هذه الأعراض لدى الأشخاص المقربين منك، فتحدث إلى الطبيب النفسي عن الأعراض. إذا لم يتم علاج أعراض اضطراب الوسواس القهري، فقد تتفاقم أعراضه وتؤثر على جميع جوانب الحياة.
العلاج
يعالج اضطراب الوسواس القهري عادةً بالأدوية أو العلاج النفسي أو الاثنين معًا. على الرغم من أن معظم مرضى الوسواس القهري يستجيبون للعلاج، إلا أن بعض المرضى يستمرون في الشعور بالأعراض. أحيانًا يعاني الأشخاص المصابون بالوسواس القهري من اضطرابات عقلية أخرى، مثل القلق والاكتئاب واضطراب تشوه الجسم، وهو اضطراب يعتقد فيه الشخص خطأً أن جزءًا من جسمه غير طبيعي. من المهم مراعاة هذه الاضطرابات الأخرى عند اتخاذ القرارات بشأن العلاج.
· العلاج النفسي بالكلام
إذا كنت مصابًا باضطراب الوسواس القهري وتحتاج إلى العلاج النفسي، فسيقوم المعالج النفسي باتباع الخطوات التالية لتحديد خطة العلاج وتطبيقها:
1. تقسيم مشاكلك إلى أجزاء منفصلة، مثل أفكارك ومشاعرك وأفعالك
2. تشجيعك على مواجهة مخاوفك والتفكير في الهوس، وذلك بالبدء بمواقف تسبب أقل قدر من القلق أولاً، قبل الانتقال إلى المواقف والأفكار الأكثر حدة
يحتاج الأشخاص المصابون باضطراب الوسواس القهري المعتدل إلى حوالي 8 إلى 20 جلسة من العلاج النفسي، مع ممارسة التمارين في المنزل بين الجلسات. إذا كنت تعاني من اضطراب الوسواس القهري الشديد، فقد تحتاج إلى جلسات علاج أكثر حتى تبدأ بملاحظة تحسن في حالتك النفسية والأعراض.
· الأدوية
قد يقوم الطبيب النفسي في وصف دواء لعلاج اضطراب الوسواس القهري إذا كان العلاج بالكلام لا يساعد في علاج الأعراض لديك، أو إذا كان الوسواس القهري لديك شديدًا ويحتاج إلى علاج نفسي واستخدام الادوية.
الأدوية الرئيسية الموصوفة هي نوع من مضادات الاكتئاب تسمى مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs). يمكن أن تساعد مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في تحسين أعراض الوسواس القهري عن طريق زيادة مستويات مادة كيميائية تسمى السيروتونين في دماغك. قد تحتاج إلى تناول مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لمدة تصل إلى 12 أسبوعًا قبل أن تلاحظ أي تحسن في حالتك النفسية.
ويحتاج معظم المصابين إلى العلاج لمدة عام على الأقل. قد تتمكن من التوقف عن استخدام الدواء إذا كان لديك القليل من الأعراض المزعجة أو لم يكن لديك أي أعراض مزعجة بعد استخدامه. وقد يحتاج بعض المصابون إلى تناول مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لسنوات عديدة.
لا تتوقف عن تناول مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية دون التحدث إلى طبيبك أولاً، لأن التوقف المفاجئ قد يسبب أعراض جانبية. حيث سيقوم الطبيب بإيقاف العلاج تدريجيًا لتقليل فرصة حدوث أعراض جانبية. كما قد يقوم الطبيب بزيادة جرعتك مرة أخرى إذا ظهرت الأعراض مرة أخرى.
وتشمل الأعراض الجانبية المحتملة لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية ما يلي:
1. الشعور بالاضطراب والقلق
2. الإسهال أو الإمساك
3. الدوخة
4. مشاكل النوم
5. الصداع
تتحسن معظم الأعراض الجانبية بعد بضعة أسابيع من استخدام الدواء، ومن الممكن أن يستمر بعض هذه الأعراض. إذا شعرت بأي أعراض جانبية مستمرة لا يمكنك احتمالها، فننصحك بمراجعة الطبيب للقيام بالإجراء المناسب.
وإذا لاحظت ظهور أعراض اضطراب الوسواس القهري لديك أو لدى الأشخاص المقربين منك، فننصحك بمراجعة الطبيب في أقرب وقت وقبل تفاقم الأعراض، للحصول على التشخيص الدقيق والعلاج المناسب لحالتك النفسية.
أسئلة وأجوبة
السؤال الأول/ من أين يأتي الوسواس القهري الفكري؟
الدوافع التي تؤدي إلى الوسواس القهري هي سلوكيات مكتسبة، تصبح متكررة عندما ترتبط بالراحة من القلق. قد يكون الوسواس القهري ناتجًا عن العوامل الوراثية والاختلافات الكيميائية والهيكلية والوظيفية في الدماغ.
السؤال الثاني/ كيف ازيل الوسواس من راسي؟
قد تساعدك الأمور التالية على التخلص من الوسواس:
حدد أفكارك وتعرف على أنماط التفكير لديك
تقبل حقيقة أن هذه الأفكار خارجة عن إرادتك، لكن يمكن التحكم بها
مارس التأمل للمساعدة على تصفية ذهنك
ابحث عن طرق لإلهاء نفسك
ولا تتأخر في استشارة الطبيب النفسي للحصول على العلاج المناسب الذي سيساعدك في التخلص من الوسواس وعيش حياة طبيعية.
السؤال الثالث/ ما هي مخاطر الوسواس القهري؟
قد تشمل المشاكل الناتجة عن اضطراب الوسواس القهري: قضاء الوقت المفرط في الانخراط في السلوكيات المتكررة، وحدوث المشكلات الصحية، مثل التهاب الجلد التماسي الناتج عن غسل اليدين المتكرر. كما قد يواجه المصابون صعوبات في العمل أو المدرسة أو الأنشطة الاجتماعية.
السؤال الرابع/ هل الوسواس القهري يفقد العقل؟
يمكن لأفكار وسلوكيات الوسواس القهري أن تشغل كل وقتك وترهق عقلك وجسمك، وتجعلك تشعر وكأنك تفقد تحكمك بنفسك واتصالك بالواقع.
السؤال الخامس/ كيف يمكن التخلص من الوسواس القهري؟
العلاجان الرئيسيان للوسواس القهري هما العلاج بالأدوية والعلاج بالكلام، وهما علاجان فعالان جدًا في تخفيف أعراض الوسواس القهري. يمكن أن تساعد الأدوية في تخفيف أعراض الوسواس القهري، ويمكن أن يساعد العلاج بالكلام الأشخاص على تعلم كيفية إدارة أفكار الوسواس القهري وتعلم كيفية تحمل مشاعر القلق والضيق بشكل أفضل.
السؤال السادس/ متى يذهب الوسواس القهري؟
تتلاشى أعراض الوسواس القهري بشكل عام بمرور الوقت، ثم قد تعود للظهور مرة أخرى. لهذا السبب، قد يشك العديد من الأفراد المصابين بالوسواس القهري في أن أعراض الوسواس القهري لديهم تظهر وتختفي. لذلك، فإن سمات الوسواس القهري لا تختفي، وبدلًا من ذلك، فإنها تتطلب إدارة وعلاج مستمر.
السؤال السابع/ هل الوسواس القهري يؤدي إلى الفصام؟
لا يسبب الوسواس القهري بالضرورة مرض انفصام الشخصية، إلا أنه يمكن أن يزيد فرصة الإصابة به مقارنة مع الأشخاص الذين لا يعانون من الوسواس القهري. قد يكون الظهور المفاجئ لأعراض الوسواس القهري مرتبطًا أيضًا بالإصابة باضطرابات الذهان، مثل الفصام.
السؤال الثامن/ هل الضغط النفسي يزيد من الوسواس؟
لا يسبب الضغط النفسي الإصابة باضطراب الوسواس القهري. ولكن إذا كان الشخص مهيأً وراثيًا للإصابة بالوسواس القهري أو كان لديه حالة غير ظاهرة من الإصابة بالاضطراب، فإن محفز التوتر أو الصدمة قد يؤدي إلى ظهور الأعراض، والتي تبدأ أحيانًا أيضًا بعد التعرض لصدمة شديدة مثل وفاة أحد أفراد الأسرة.
السؤال التاسع/ لماذا الوسواس القهري يذهب ويعود؟
خلال أوقات التوتر الشديد، قد تعاني من تدهور في حالتك النفسية وزيادة في أعراض الوسواس القهري بينما في أوقات انخفاض التوتر، قد تعود إلى الشعور بالأعراض بشكل خفيف أو قد تعتقد أن الوسواس القهري لديك قد اختفى تمامًا. لذلك، عادة ما يحاول الأشخاص المصابون بالوسواس القهري تجنب المواقف التي تثير الوسواس القهري لديهم.
