ما هو الهَوس؟

اسم الكاتب

الفريق الطبي

مدة القراءة

2 د

Image

ما هو الهَوس؟

الهَوس (Mania) هو حالة نفسية تتميز بارتفاع غير طبيعي في المزاج والطاقة والنشاط، وقد ترافقها سلوكيات اندفاعية أو متهورة، وأحيانًا أفكار غير واقعية أو أوهام.
تبدو هذه الحالة في البداية وكأنها فترة من النشاط الإيجابي، لكنها في الواقع تعكس اضطرابًا في تنظيم المزاج قد يؤثر على الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية والمهنية.

منذ أواخر القرن الثامن عشر، وُصف الهوس بدايةً كحالة من “الجنون” أو “الغضب”. ومع تطور الفهم الطبي في القرن التاسع عشر، أصبح يُنظر إليه على أنه اضطراب يرتبط بارتفاع المزاج والطاقة. لاحقًا، أُعيدت صياغة المفهوم ليُفهم على أنه عرض مركزي في الاضطراب ثنائي القطب، مع تداخل بين التغيرات المزاجية، والأفكار المتسارعة، والسلوكيات المندفعة.

 

ما هي أنواع الهَوس؟

تُصنَّف نوبات الهوس إلى عدة أشكال تختلف في شدتها وطبيعتها:

هوس الابتهاج:

نوبات يشعر فيها الشخص بسعادة مفرطة وطاقة عالية قد تبدو للآخرين طبيعية في البداية لكنها خارجة عن المألوف.
مثال: شخص لا يتوقف عن الحديث بفرح مفرط ويخطط لمشاريع كبيرة دون حسابات منطقية.

هوس الانزعاج (الهوس المختلط):

يجمع بين أعراض الهوس والاكتئاب في الوقت نفسه.
مثال: شخص يشعر بطاقة عالية مع توتر وحزن شديدين.

الهوس الذهاني:

يترافق مع أوهام أو هلوسات، مثل الاعتقاد بامتلاك قدرات خارقة أو سماع أصوات غير موجودة.

الهوس الخفيف:

 أعراض مشابهة للهوس لكنها أقل حدة ولا تصل لمرحلة فقدان القدرة على أداء الأنشطة اليومية.

 

ما الذي يسبب الهَوس؟

يحدث الهوس نتيجة تغيّرات معقدة في عمل الدماغ. ففي الوضع الطبيعي، تتحكم النواقل العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين والنورأدرينالين في تنظيم المزاج والطاقة والنوم والتفكير. عند حدوث اختلال في توازن هذه المواد الكيميائية أو في طريقة تفاعل الدماغ معها، تبدأ الأعراض الهوسية بالظهور. هذا الخلل قد ينشأ من عوامل جسدية أو نفسية أو مزيج بينهما.

أولًا: الأسباب الجسدية 

قد يظهر الهوس كعرض ثانوي لحالات طبية أو عصبية ، منها:

  • إصابات الدماغ أو أورام المخ:
    يمكن أن تؤثر على المناطق المسؤولة عن المزاج والسلوك، مما يؤدي إلى نوبات هوسية.

  • السكتة الدماغية:
    خصوصًا إذا أصابت الفص الجبهي، قد تخلّ بتنظيم الانفعالات وتؤدي إلى أعراض هوسية.

  • الخرف (مثل ألزهايمر):
    قد يترافق أحيانًا مع نوبات هوسية نتيجة التدهور العصبي التدريجي.

  • اضطرابات النوم المزمنة:
    قلة النوم أو انقطاعه بشكل متكرر قد يحفّز حدوث نوبات هوس.

  • بعض الأدوية:
    مثل مضادات الاكتئاب أو المنشطات قد تثير نوبة هوسية كأثر جانبي.

ثانيًا: الاضطرابات النفسية المرتبطة بالهوس

غالبًا ما يظهر الهوس كجزء من اضطراب نفسي أساسي، ويختلف شكله بحسب الاضطراب:

الاضطراب ثنائي القطب:

يُعد الهوس العرض المميز له. في النوع الأول  من الاضطراب يظهر على شكل نوبات هوس كاملة (مصحوبة أحيانًا بالذهان)، بينما في النوع الثاني يكون على شكل هوس خفيف أقل حدة لكنه مؤثر.

الاضطراب الفصامي العاطفي:

يجمع بين أعراض ذهانية (مثل الهلوسة أو الأوهام) وأعراض مزاجية، حيث قد تأتي نوبات هوسية واضحة ترافقها تغيرات في التفكير.

الاكتئاب الذهاني أو الاضطراب الاكتئابي الكبير:

قد يتبدل المزاج بشكل متطرف، حيث يظهر الهوس بعد نوبة اكتئاب شديدة أو يتداخل معها في صورة نوبات مختلطة.

الاضطراب الفصامي (الشيزوفرينيا):

في بعض الحالات قد يُظهر المريض نوبات هوسية مترافقة مع الأعراض الذهانية، مثل الأوهام أو الاندفاعية المفرطة.

اضطرابات أخرى:

مثل الذهان ما بعد الولادة ، حيث يمكن أن يظهر الهوس في فترات محددة أو بعد الولادة نتيجة التغيرات الهرمونية والجسدية.

 

ما هي أعراض الهَوس؟

تظهر نوبات الهوس عادةً بشكل تدريجي أو مفاجئ، وقد يلاحظ المريض أو من حوله العلامات التالية:

  • طاقة ونشاط زائدين بشكل غير طبيعي.

  • سعادة مفرطة أو تهيّج شديد.

  • الحاجة القليلة للنوم (ساعات قليلة مع شعور بالراحة).

  • تضخم تقدير الذات أو الشعور بالقوة المبالغ بها.

  • حديث سريع ومفرط، مع صعوبة مقاطعته.

  • أفكار متسارعة وتشتت انتباه.

  • اندفاعية في القرارات: مثل الإنفاق المفرط أو الدخول في مشاريع غير محسوبة.

  • سلوكيات خطيرة أو متهورة (قيادة متهورة، علاقات غير محسوبة).

أحيانًا ينكر المريض هذه الأعراض أو لا يدرك شدتها، بينما يلاحظها المحيطون به بوضوح.

 

كيف يتم تشخيص الهَوس؟

يعتمد تشخيص الهوس على تقييم شامل يجريه الطبيب النفسي أو الأخصائي، ويبدأ عادةً من ملاحظة الأعراض السلوكية والمزاجية لدى المريض أو ما يصفه المقربون منه. يقوم الطبيب بعد ذلك بجمع صورة كاملة عن الحالة من خلال:

  1. التاريخ الطبي والنفسي:
    متى بدأت الأعراض؟ كم تدوم؟ هل تتكرر بشكل دوري؟ هل هناك ارتباط بقلّة النوم، أحداث حياتية ضاغطة، أو تناول أدوية معينة؟

  2. المقابلة السريرية:
    يتحدث الطبيب مع المريض ويقيّم طريقة كلامه، أفكاره، مستوى نشاطه، ومدى قدرته على التركيز واتخاذ القرارات. كما قد يستعين بشهادات أفراد الأسرة لفهم التغيرات السلوكية بشكل أدق.

  3. استبعاد الأسباب الجسدية:
    لأن بعض الأمراض العصبية أو الجسدية قد تسبب أعراضًا مشابهة للهوس، يجري الطبيب فحصًا سريريًا عامًا ويطلب أحيانًا تحاليل دم أو فحوصًا طبية للتأكد من عدم وجود التهابات، اضطرابات هرمونية، أو آثار جانبية لأدوية.

  4. الفحوص العصبية:
    في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب بتصوير الدماغ (MRI أو CT) أو تخطيط كهربائي للدماغ (EEG) إذا كان هناك شك بوجود أورام دماغية أو نوبات صرعية قد تفسر الأعراض.

الهدف من عملية التشخيص ليس فقط تأكيد وجود الهوس، بل الأهم هو تحديد السبب الكامن وراءه، سواء كان اضطرابًا نفسيًا مثل الاضطراب ثنائي القطب أو الفصامي العاطفي، أو حالة عصبية أو طبية أخرى تحتاج إلى علاج مختلف.

 

ما هو علاج الهَوس؟

العلاج يهدف إلى السيطرة على الأعراض والوقاية من النوبات المستقبلية، ويشمل:

العلاج الدوائي:

  • مضادات الذهان: مثل أريبرازول، أولانزابين، كيتيابين، ريسبيريدون.

  • مثبتات المزاج: مثل الليثيوم، الفالبروات، الكاربامازيبين.

  • تعديل أو إيقاف أي دواء قد يسبب الهوس كعرض جانبي.

العلاج النفسي:

العلاج المعرفي السلوكي (CBT):

يساعد المريض على تعديل الأفكار غير الواقعية والتحكم بالسلوكيات.

العلاج الأسري:

لزيادة وعي الأسرة حول المرض ودعم المريض.

العلاج الجماعي:

مشاركة التجارب مع آخرين لديهم نفس الاضطراب.

 

متى يجب طلب المساعدة؟

ينبغي طلب المساعدة الطبية الفورية إذا ظهرت الحالات التالية:

  • استمرار نوبة الهوس أكثر من عدة أيام.

  • ظهور سلوكيات خطيرة أو تهدد حياة المريض أو الآخرين.

  • وجود أوهام أو هلوسات مصاحبة.

  • تأثير الأعراض على القدرة على العمل أو الدراسة أو العلاقات الاجتماعية.

  • ظهور الهوس بعد دواء جديد أو إصابة دماغية.

 

شارك المقالة

الكلمات المفتاحية

اضطراب ثنائي القطب

الهوس